لقاء فى الضباب
يحسدنى كثير من معارفى على وقت الفراغ الذى يتيحه لى عملى00ولكن هذه النعمة التى تتيح لى الكثير من الةقت للاطلاع والقراءة وزيادة المعرفة لها وجه اخر00فهى احيانا تصبح مصدر تعب شديد00فنظرا لانى انحدر من عائلة كبيرة 00عددا على الاقل-فاءنى دائما اول من يفكر فيه اقاربى 00كلما دعت الحاجة الى خدمة00واصبح اسمى هو اول ما يخطر ببال احد عندما يفكر فى وصية -او تصفية تركة -او القيام بوصاية على قاصر00وعندما توفى خالى المرحوم جايلز عام 1920-كان طبيعيا جدا ان تعهد الى الاسرة بتصفية تركته00كان خالى من الجيولوجيين المرموقين فى السبعينات من القرن الماضى وكانت له ابحاث ودراسات ذات قيمة00ولقد استطعت ان اقنع المتحف الجيولوجى بان يضم بعض المخلفات والعينات التى تركها ويفرد لها قسما خاصا بأسمه00وقمت بعملى خير قيام00فبعد ان تصرفت فى اثاث منزله وممتلكاته طبقا لوصيته وبعد ان عهدت الى المتحف بكل ماله قيمة عالية 00لم يبقى امامى الا اوراق خالى الخاصة ومذكراته00 ورأيت ان الامانة تقضى بأن اطلع عليها قبل ان اقرر التصرف فيها00كانت معظم هذه الاوراق ابحاث علمية00ذات تعبيرلت معقدة00ولةلا قوة ارادتى لما استطعت ان اقرأها جميعا00
وحمدا لله اننى فعلت ذلك00فضمن اوراق المرحوم خالى اكتشفت مفكرة مدون بها احداث 1879 ويبدو ان خالى جايلز قد استهوته احداث القصة التالية00فقد كتبها باسلوب علمى 00ولم يعلق على اى سطر منها 00وعندما قرأت القصة 00لم اتمالك نفسى فرغم ما مر بى خلال حياتى من احداث كثيرة ورغم ما سمعته وعرفته من قصص تفوق فى غرابتها القصص الخرافية فقد رأيت فى احداث هذه القصة شيء فريد فى ذاته00ولن اطيل عليكم الحديث انما سأسردها عليكم 0000
خلال شهر اكتوبر 1879 كان جايلز هامبتون -وعمرع ثلاثون عاما حينئذن يقضى اجازة صغيرة فى ويلز00وكان احد اصدقائه ويدعى بفرلى قد اعتزل العمل واشترى منزلا فى المنطقة ليعتكف به00ودعا خالى لقضاء بضعة ايام فى ضيعته00فوافق مرحبا لمعرفته ان المنطقة تعد فرصة بالنسبة للباحث الجيولوجى00
ووصل جايلز الى منزل صديقه فى مساء العاشر من اكتوبر 00لم يكن المنزل كبيرا ولكنه نظيفا مرتبا00وله موقع فريد00فقد كان قائما عند مرتفع من الارض 00عند نهاية وادى كونداى00وبداية المرتفعات المؤدية الى هضبة سنودون00فكان بذلك بداية الطريق من الجبال الى الوادى00وللمنزل شرفة متسعة تشرف على الوادى فيما يحيطبالمنزل حديقة جميلة 00اما جبال سنودون فقد كانت تقع خلف المنزل بأقل من كيلو متر واحد00كان الجو فى ويلز معتدلا فى هذا الوقت من العام00ولهذا قضى جايلز ومضيفه بفرلى الاسبوع الاول كله معا 00فقاما بالصيد مرتين00وقاما بزيارة بعض المناطق ذات المناظر الطبيعية00خلال بقية الايام00
ولقد وصف خالى بدقة فى مذكراته المناظر الجميلةالتى شاهدها ولكنه ايضا كان يبدى مخاوفه من ان تشغله هذه الزيارات عما خطط له من قبل00وهو قيامه ببعض الابحاث واعمال التنقيب فى صخور الجبل00
ولقد اتيحت له اول فرصة للقيام بما اعتزم يوم18 اكتوبر ففى هذا اليوم كان لدى بفرلى بعض الاعمال التى تشغله ولهذا قرر جايلز ان يخصص هذا اليوم لابحاثه الجيولوجية واختار لذلك المحجر القديم الواقع على بعد حوالى عشرة اميال من الهضبة00كان اليوم صحوا00ويبشر بشمس ساطعة00وبدا جايلز رحلته بعد الافطار مباشرة00بعد ان حمل معه غداءا خفيفا 00وخريطة صغيرة توضح له اسهل طريق خلال الجبل 00ولم ينسى طبعا المطارق والمجارف اللازمين له فى ابحاثه00
ويبدوان الرحلات الجبلية تستغرق دائما وقتا اكثر مما يقدره المرء مسبقا00فقد وصل جايلز الى هدفه بعد الثانية عشر ظهرا00وكانت الشمس ساطعة فى السماء وترسل اشعتها الدافئة ورغم الاحساس الشديد بالحر والاعياء الذى يعانيه خالى 00وجد فى المحجر ما يثير اهتمامه 00وظل يعمل بجدويدون المزكرات فلم ينتهى من ذلك حتى الثالثةو النصف00اصبح الجو اكثر لطفا 00بل ان خالى عندما شرع فى العودة 00حس بريح باردة واختفت الشمس خلف السحب الكثيفة واصبح الجو منذر بالمطر وحث خالى الخطى ليعود قبل ان يفاجئه المطرولكن السحب ازدادت كثافة 00ثم سرعان ما اطبق عليه الضباب000000000
حتى اصبحت الرؤية لا تتعدى بضعة امتار000ثم000اقدام000مكان خالى ترك بعض العلامات فى الطريق ليسترشد بها فى عودته00فأصبح يجد صعوبة كبيرة فى تتبعها 00واخيرا عندما وصل الى قمة الهضبة00واستعد ليأخذ بداية الممرالمؤدى الى اسفل00امطرت السماء بغزارة واصبح الجو مكفهرا مظلما واخذ جايلز طريقه حتى ضاعت منه معالمه تماما وبعد حوالى نصف كيلو متر وجد انه يجتاز ترعة صغيرة لم يجتزها من قبل00ايقن تماما انه قد ضل طريق العودة00
وعاد ادراجه محاولا ان يعود الى الطريق الصحيح مرة اخرى00واخيرا خيل اليه انت قد وصل الى الطريق الصحيح المؤدى الى الوادى00
ولكن بعد بضعة خطوات تأكد انه كان مخطئا000فجلس على حجر ليراجع نفسه فبل ان يصيبه الذعر ويظل يتخبط فى مجاهل الجبل ويضل تماما ويصبح من العسير على من يبحث ان يجده 00
وقرر اخيرا ان يظل مكانه حتى يخف المطر وينقشع الظلام 00ولعل صديقة بفرلى يقلق لتأخيره فينظم حملة للبحث عنه00سيكون اسهل عليهم ان يجدوه عن محاولته هو البحث عن مخرج له000وفى جلسته 0000
لمح خلال الضباب 0000شبحا يتقدم نحوه00والقىعليه البصر حتى اقترب منه 00فوجده رجلا مسنا00حسن الهندام00يرتدى معطفا له ياقة من فرو الاغنام00ويمسك بيده عصا طويلة00له شعر ابيض يحيط بوجه احمر تنم ملامحه عن الطيبة وتدعوا الى الثقة به00
وتوقف امامه الرجل الغريب كأنه فوجىء برؤيته وتفرس فيه طويلا ثم حياه000ورد خالى تحيته 00وقد انس وحشته ان يجد له رفيقا فى هذه المحنة 000
سأل خالى الرجل الغريب 00ان كان يعرف الطريق الى منزل بفرلى ؟؟00فأومأ له الرجل باسما00واخبره انه من الصيادين فى هذه المنطقة00ثم اعطاه خريطة صغيرة 00وطلب منه ان يتبع الطريق المرسوم فيها والذى يؤدى الى ضيعته00
شكر خالى الرجل وطلب اليه ان يسير معه قليلا00ولكن الرجل اعتذر بأن له وجهة اخرى 00ثم حياه وانصرف واختفى فى الضباب كما لم يضع جايلز الوقت00فقد استرشد بالخريطة وقد اسعده ان يجد الطرق الصحيح واخذ تحث الخطى مسرعا ليعوض ما فاته من وقت00وفى اسراعه00000
تعثرت قدمه00فوقع على الارض 00ولقد انقذ حياته هذا الحجر الذى تعثر به 00فقد سمع جايلز الحجر يتدحرج بضعة خطوات ثم يختفى صوته000ليسمعه مرة اخرى من اسفل – وقد ارتطم بباطن الجبل 00كان جايلز على بعد خطوات من حافة الهاوية00وكان فى طريقه اليها حتما لولا ان تعثر00وفتح الخؤيطة ليتأكد من الطريق المرسوم00فوجد انه يسير فعلا طبقا للخريطة دون ان يحيد عنها00وتسمر فى مكانه00فقد اعطاه الرجل الغريب خريطة تؤدى الى حتفه بدون شك00بل لقد رسم له الطريق الاسرع المؤدى الى حافة الهاوية مباشرة 000
وفى هذا الضباب من العسير على اى فرد ان يرى مواقع قدميه0
وظل جايلز فى مكانه برهة متجمدا00حتى سمع من اسفل صيحات تنادى –فرد عليها وسمع صوت صديقه بفرلى يناديه ويأمره بأن يلزم مكانه ولا يتحرك00ولم يكن فى حاجة طبعا الى مثل هذه النصيحة00
وبعد قليل شاهد جايلز اضواء المشاعل 000
ثم لمح صديقه وبعض عمال مزرعته قادمين نحوه00حيث قادوه الى المنزل00ولأمر ما00كتم خالى قصة اللقاء الغريب فى الضباب ولم يحدث به احدا واكتفى بأنه قال انه ضل طريقه فى الظلام00
وصل جايلز مرهقا 00وبعد ان اغتسل وتناول العشاء مع صديقه00جلسا يتسامران00
وقال له بفرلى اثناء الحديث000
لقد كنت محظوظا يا صديقى00فلو انك خطوت خطوة واحدة للامام لاصبحت فى عداد الاموات وعموما لقد حدثت عدة حوادث رهيبة فى نفس المنطقة التى وجدناك بها واذكر انه من حوالى اربع سنوات مضت قبل ان استقر بمنزلى الحالى مباشرة- قتل رجل عند نفس الصخرة التى وجدناك عندها00فقد سقط من الهاوية ووجدت جثته اسفل الجبل 00وكان احدعمال المزرعة حاضر هذا الحديث00فاستدار اليه بفرلى قائلا0000
-هل تذكر هذه الحادثة يا بارى00الم تقع فى نفس المنطقة التى وجدنا جايلز عندها؟؟
-اجاب00نعم00تماما 00وكان القتيل من سكان لندن00واذكر انى كنت اعمل وقتها عند الكابتن تريفورفرون وقد اعطانا اجازة بعد الظهر ليحضر الجنازة 00
كانت جنازة رهيبة وقام بمراسمها الاب روبرتس00انى لا ازال احتفظ بقصاصة الجريدة التى نشرت الخبر 00هل يهمك ان تقرأها يا سيدى00؟؟
واومأ بفراى برأسه موافقا 00فأحضر بارى قصاصة الجريدة 00نشر جايلز وبفرلى الجريدة00وكانت صادرة بتاريخ 6يونية 1875وكان ما جاء بها 00
"اكتشفت فجر اليوم الاربعلء جثة شاب محطمة اسفل الصخرة المسماة ممر "ادريون" وبفحص الجثة تبين ان صاحبها توفى منذ بضعة ساعات وتم التعرف على بقايا الجثة المحطمة وثنت انها لشخص يدعى جون ستيفنسون 00وهو احد المحامين الشبان من لندن 00
وكان مستر ستيفنسون فى زيارة لبعض اقاربه بالمنطقة والذين افادوا انه خرج يوم الثلاثاء صباحا لزيارة الجبال والتريض بالمنطقة ولكنه لو يعد 00وكان مضيفه السيد ويلسون جون قد نظم حملة للبحث عن قريبه المختفى مساء الثلاثاء ولكنهم لم يعثروا على اثاره حتى اكتشفت جثته صباح الاربعاء00
وقد صرح السيد ويلسون جون الذى اكتشف الجثة 00بأنه وجد مع قريبه المتوفى خريطة الجبال 00والغريب فى الامر ان هذه الخريطة طبعت عام 1842 وحددت فيها الممرات والمناطق الخطرة التى لا يجوز السير فيها حرصا على سلامة الانسان00ولكن بمراجعة الخريطة تبين ان التحذيرات المذكورة غير موجودة وان هذه الممرات الخطرة نفسها مؤشر عليها بما يفيد انها الطريق الصواب00
وهذه الحقيقة تجعلنا نجزم ان سبب موت المرحوم جون ستيفنسون 00انما يرجع يرجع بالتأكيد الى هذه الخريطة00ولا احد يعلم حتى الان كيف وصلت هذه الخريطة الى يده لانه لم يخرج بها من المنزل عند بداية رحلته00فضلا عن ان هذه الخريطة ابطل استعمالها وسحبت من السوق من حوالى عشر سنوات وطبع بدل منها خريطة جديدة حديثة00"
اطرق جايلز برأسه بعد قراءة هذه القصة 00واحس ان الامر لا يمكن ان يكون مجرد صدفة00واسترعى انتباهه امر الخريطة 00وانها كانت السبب فى موت شخص كما كادت ان تكون السبب فى موته هو00وقرر ان ينزع عن صدره هذا العبىءالثقيل والقى الى مضيفه بفرلى بقصة لقاءه الغريب فى الضباب مع الرجل العجوز00
والتفت بفرلى الى العامل متسائلا000
-بارى00هل تذكر شيئا عن موضوع الخريطة00؟؟
-بالتأكيد يا سيدى 00كان هناك خريطة مع جثة الرجل المتوفى 00وهى موجودة حاليا عند الاب روبرتس00
- هل لك ان تذهب اليه يا بارى وترجوه ان يأتى ليتناول قدحا من القهوةمعنا وترجوه ايضا ان يحضر الخريطة معه0000
وانطلق العامل مسرعا صوب الكنيسة لابلاغ الاب روبرتس 00وقال جايلز00
-الخريطة التى اعطاها لى الرجل فى جيب سترتى00سأحضرها لك00"احضر خالى الخريطة ونشرها على المنضدة ليفحصها هو وبفرلى00وفى ضوء الحجرة الساطع 00استطاع خالى ان يلاحظ اشياء كثيرة غابت عنه عندما اطلع عليها لاول مرة فى الضباب00فوجد ان الاسماء مكتوبة بطريقة غريبة والرسم يبدوان يدا مرتعشة هى التى رسمته وسببت له بعض التعرجات 00ولمح بفرلى ان اسفل الخريطة توقيع بخط دقيق جدا باسم مادوج وايز بتاريخ عام 1707وانهى وصول الاب روبرتس حيرة خالى وصديقه 00وبعد ان انصت بأهتمام الى قصة خالى00وشاهد الخريطة00وقال بهدوء 00
-هذه نسخة من الخريطة الاصلية ولا احسب انه يوجد مثلها الا فى المتحف البريطانى وقدر اسمها مادوج وايز شخصيا عام 1707لتكون مرشدا لمن يرتاد الجبال 000
وسأله خالى00ومن هو مادوج وايز هذا 00؟00
-كان ناسكا يعيش بمفرده فى الجبال 00وكان مشهورا عنه انه يقوم بأعمال الانقاذ لكل من يضل طريقه فى الضباب بين شعاب الجبل00ولقد انقذ عدة اشخاص من الموت 0ولكنه لم يستطع ان ينقذ نفسه 00
لانه فى احدى الليالى 00زلت قدمه وسقط من الهاوية مزقت عنقه ومات لساعته00
والحقيقة لقد سمعت كثيرا ان شبح مادوج لا يزال يجوب بالجبل حتى الان 00ولكنى لم الق بالا لهذه الشائعة 00حتى سمعت قصتك00
والى هذا الحد تنتهى قصة خالى 00ودون ان يعلق عليها بحرف واحد 00
ولكن لعل القارىء يتفق معى ان فى هذه القصة شىء من الغرابة يجعلها تختلف عن اى قصة من قصص الاشباح
00فلا شك ان فى تاريخ كل امة قصص فلكلورية كثيرة من الاشباح والعفاريت 00بعضها اشباح طيبة صديقة 00وبعضها اشباح مؤذية شريرة00ولكن وجه الغرابة فى هذه القصة ان مادوج وايز وهو قس وناسك عاش حياته ينقذ الناس 00عندما قتل تغير تصرف شبحه بالعكس تماما 00واصبح بطريقته الهادئة الناعمة 00
يقود ضحاياه الى الهلاك
تمت
الرئيسية 
مركز الرفع 
